تغيّرت نظرة المنظومات التكوينية اليوم مع التدفق المعرفي الذي عرفه المجال التربوي والديداكتيكي، حيث طُرح مفهوم الخطأ، وهنا أصبح الخطأ عاملا أساسيا في سيرورة التعلّم والتعليم، وهو من ناحية وظيفته في هذه الوضعية لا يركز بيداغوجيا على جوانبه السلبية فقط، ذلك أن الهدف اليوم هو بناء معارف سليمة وليس الوصول إلى معارف جاهزة، وبالتالي انتقل تركيزه إلى التصور البنائي.
يُعتقد نظريا أن المتعلّم وهو يبني معارفه يصيب ويخطئ، وما تحدده بيداغوجيا الخطأ هو أن المتعلم إذا أخطأ فهذا لا يعد ذنبا يستلزم العقاب، بل هو سلوك عادي لا بد من حسن استثماره لخدمة المتعلم وحتى المعلّم نفسه، وهو ما أكدت عليه «كوجيرييه» «B/ COUDURIER» التي مارست هذه البيداغوجيا حين اعتبرت بأن تغيير الموقف إزاء الخطأ يربح المعلم الكثير من الجهد والطاقة التي كان سيضيعها في سلوك الملل«Economie d agacement» وأن هذا سيعطيه القوة والقدرة لتقويم نفسه بشكل موضوعي هادئ حتى يصحح مساراته وممارساته التعليمية، وأن هناك من المعلمين من يجد متعة في الكشف عن المسار الذهني الذي أدى إلى الخطأ وتحضير مجموعة التمارين التي ستصحّح التصورات الخاطئة والقواعد الضمنية المعرقلة لعملية التعلم.
مرتكزات بيداغوجيا الخطأ
- مفهوم الخطأ عموما يستلزم وجود الهدف والاختيار الإرادي. - يحدد الخطأ عموما على أنه الفارق «Ecart» بين الأداء المحدد والهدف المنتظر أو السيرورة المسؤولة عن هذا الفارق. - المؤشرات والمعايير لتقويم الفارق ستكون مختلفة في الحالتين. - تعريف المرجعية أو المعيار تعني أن المهمة محددة بدقة من طرف المنظر«Le concepteur» - الخطأ في سيرورة التعلم المدرسي وارد، ضروري ومرحلي إذا تم التكفل بعلاجه -نشاط الإملاء إذا ارتبط بالتصحيح والتذكير بالقواعد الإملائية يقلص ثغرات المتعلم فيه-.
مصادر الخطأ قد يصدر الخطأ عن صعوبات ارتبطت بوضعية تعلمية معينة أو نتيجة تعلّمات لم تتم، فمثلا في نشاط الرياضيات إذا لم يتحكم المتعلم في آلية الجمع سيصعب عليه تعلم آليات الطرح والضرب والقسمة. لا بد من التفريق بين أخطاء عميقة «Erreurs profondes» ترتبط بتعلّمات مخفقة أو غير مستوعبة و أخطاء ناتجة عن تعلمات جديدة، أي تقدم لأول مرة، والمتعلم أخطأ لأنه لم يجنّد المعلومات المناسبة التي تسهل عليه المهمة، والعلاج هنا يكمن بتقديم تعلمات جديدة بكيفية مغايرة. الصعوبة بالنسبة للمعلم سترتبط بتشخيص نوع الخطأ: هل هو الذي يتكرر والذي يعرقل تعلّمات لاحقة أم خطأ ناتج عن الصدفة ومرحلي، يرتبط بمواجهة وضعية جديدة. هنالك صعوبة للمعلمين المبتدئين الذين لا يفرقون بين خطأ يستوجب الوقوف عنده وتصحيحه وخطأ يمكن المرور عليه. ضرورة تحديد وقت العلاج أو التصحيح في المدى الطويل، المدى المتوسط أو المدى القصير.
الخطأ والمدارس التربوية تختلف وضعية الخطأ وفق المدارس التربوية، فحسب المدرسة السلوكية نجد أن التعليم يجب أن يستهدف تعلّمات دون خطأ، وهذا التعلّم يتحقق من خلال التطبيقات، التكرار والتعزيز للإجابات الصحيحة، والمتعلم يُقاد تدريجيا نحو تحقيق الهدف "التعلم المبرمج"«l apprentissage programmé» والتعليم الاستدلالي «l enseignement dit inductif» الذي يوجه عددا من المواد والأنشطة يوضح جيدا هذه الرؤية، وحسب المدرسة البنائية «le constructivisme» فإن التعلم هو سيرورة لإعادة تنظيم المعارف المتضاربة«conflictuel» ، فالمعارف الجديدة ترتكز على المعارف السابقة التي يمكن أن تفند، والخطأ يدل على الصعوبات التي يواجهها المتعلم لإنتاج معارف جديدة، أي أننا نتكلم هنا عن مفهوم الصراع المعرفي«conflit cognitif» الذي يجب أن يواجهه التلميذ ويتصدى له، وتصحيح الخطأ من قبل المتعلم وبنائه لمعرفة جديدة يعني أنه تجاوز الصعوبات المُعرقِلة، ومعروف أن المتعلم ليس وعاء يملأ من طرف المعلم بالمعرفة، فمن أجل فهم العالم والتحكم فيه يحتاج كل فرد إلى نظرية تفسيرية، والمتعلم من أجل فهم الواقع والاندماج فيه يجنّد معلومات لبناء تصوّر ذهني منظم للعالم الذي يحيط به، هذا التصوّر هو نظرية تفسيرية لسير العالم، وتبقى هذه التصورات فعّالة وناجعة ما لم تصطدم بتجربة أو خبرة تفندها، وهكذا حسب البنائية، فالفرد يبني معرفته من خلال سيرورة هدم، بناء تصورات جديدة، والخطأ حسب البنائية هو مرور المتعلم بهذه الخبرة أو التجربة التي تصطدم مع معارفه وتصوراته السابقة، ووجود الخطأ يدلّ على وجود سيرورة بنائية نشطة، وبشكل أدق ففي هذه السيرورة يشكّل الخطأ مرحلة اللاستقرار أو الهدم التي تسبق مرحلة إعادة البناء، وبشكل مختصر نستطيع أن نحوصل وجهة نظر المدرسة البنائية في أن التعلم هو سيرورة تعلمية بنائية. حسب النظرية المعرفية «la théorie de l information» فإن الخطأ ناتج عن خلل في تصوّر الوضعية أو في الاستراتيجية الموضوعة للوصول إلى الإجابة أو هو نتيجة مراقبة ناقصة، وتقدير الخطأ وفق الأداء المحقق ليس أفضل سبيل لتحديده، فهو يقدم ضمانات قليلة لتحديد طبيعته، فالملاحظ هنا أن الإجابة الصحيحة لا تدل دائما على انتهاج المتعلم لسيرورة تفكيرية سليمة أو محددة، فمن منظار تنظيري، غالبا ما يسبق النجاح الفهم.
تحليل الخطأ المتمعن في التاريخ التربوي التعليمي يلاحظ أن الخطأ قد يكون مصدره المعلم، وفي هذه الحالة يرتبط بعدم ملاءمة الاستراتيجيات والطرائق المتبناة من طرفه أو انعدام المعرفة المهنية لديه، وبالتالي فالخطأ سينتقل ويتسع نطاقه إلى حدّ أنه يستخدم كملمح على أساسه تشكل أفواج تعاني من صعوبات ترتبط بمفهومه وتحدد البيداغوجيا الفارقة كبيداغوجيا مناسبة للعلاج، والأكيد أنه من الصعب تحديد طبيعة الخطأ لأنه قد يرتبط بـ:
- خصوصية الميادين المعرفية -صعوبات تعلم الفرنسية تختلف عن صعوبات تعلم الرياضيات- - الوضعيات الديداكتيكية التي ترتبط بنقل هذه المعارف. - المكتسبات القبلية للمتعلم.
ولذا فتحليل الخطأ يجب أن يوضع في سياق إنتاجه، كما أن تحليل الخطأ يجب أن يعتمد على الوضعيات الملموسة، حيث تكون التفسيرات مختلفة وفق وجهات النظر، فالتحليل هنا سيختلف وفق المختص -عالم النفس، الديداكتيكي، عالم الاجتماع، عالم الأرطوفونيا-، كما إن تحليل معلم (س) سيختلف عن تحليل المعلم (ص)، فهو خطأ جسيم عند الأول وخطأ هيّن عند الثاني.